شر الطريق

Saturday, November 29, 2008



"البطاطس دي للتحمير؟"
همست بها للفتاة الواقفة جوارها والتي تنتقي حبات البطاطس بعناية حسدتها عليها فأجابتها الفتاة على الفور دون أن تلتفت إليها:
"أيوة ... كل البطاطس الجديدة دي للتحمير"
شكرتها بصوت خافت وعادت للتقليب بين حبات البطاطس موهمة نفسها أنها تنتقي الأفضل على الرغم من عدم قدرتها على التفريق بين حبةٍ وأخرى.
ابتسمت بمرارة حين تذكرت دعوتها الخالدة:
"ربنا يكفيك شر طريقك وشر ولاد الحرام"
دائماً ما كانت تدعي بها بعد كل صلاة وتدعي بها في منتصف الليل وهي بإنتظار عودته إليها،كانت على يقين تام بأن "أولاد الحرام" لا ساتر لهم إلا الليل، لم تدرك قبل هذا أنهم أصبحوا
لا ساتر لهم يرتكبون جرائمهم بوضح النهار وتحت مرأى ومسمع من الجميع .وحين جاءها عصراً الخبر المشئوم وسارعت إليه لتراه مضرجاً في دمائه بين الموت واللاموت لم تشعر بنفسها إلا وهي ممدةً إلى جواره بعربة الأسعاف.
"ماكنت تخليك في حالك ،وأنت مالك ؟هي كانت من بقية أهلك ؟"
"عاجبك كده ؟وهيعجبك يعني لما تروح مني وتسيبني لوحدي؟"
"ماتسيبنيش لوحدي"
كانت موقنة من أنه يسمعها خاصةً مع تلك النظرة التي استشعرتها بين عينيه والتي جعلتها تستدرك قائلة:
"عارفة والله ... ما هي لو كانت بنتك كنت هتدافع عنها وتفديها بعمرك كمان .... بس أنا مش عايزاك تسيبني لوحدي"
ظلت لأشهر تنتقل معه من مستشفى لأخرى ،أنفقا كل مدخراتهما ،الجميع يُصرون على أنه بخير "لكن العلاج هيطوّل شوية".
"يطوّل يطوّل مش مهم ،المهم أنه يبقى بخير ويقوم تاني على رجله"
كان هذا ردها دائماً،لكن حين تبيت ليلتها وهي تحاول أن تقتصد في النفقات أو تضيف أسماً جديداً لقائمة الديون لا تستطع سوى أن توجه بصرها للسماء وهي تقول:
"أمتى بقى يارب"
ظلت تتمتم بها وهي تحاول أن تطرد صورته وهو مُمدد بلاحراك عن ذهنها قبل أن تفزع على صوت البائع وهو يزيح يديها قائلاً:
"أيه يا حاجة ... كل ده بتنقي ،طيب وسعي كده بقى ،مافيش نقاوة "
وتناول الكيس من يدها وسارع بتعبئته وهو يسألها:
"كيلو صح؟"
هزت رأسها في صمت دون أن تجيبه قبل أن تتناوله منه وتحمله بلامبالاة متخذةً طريق عودتها وحبات البطاطس تتساقط منها واحدةً تلو الأخرى.

2 comments:

Omnia said...

أسمحيلي أقولك رائعة..
من الحاجات الي لما تتقرا ..متتنسيش

صحتك بالدنيا said...

شكرا على الموضوع